قصة رعب مخيفة! العينان ..
لا أذكر إلا هاتين العينين ..لم تكونا أقوى من اللازم .. لم تكونا أجمل من اللازم .. لم تكونا أكثر بريقاً من اللازم، لكن ـ أتكلم في موضوعية ـ كانتا من ذلك الطراز من العيون الذي يجعلك تنسى تماماً كل شيء عن باقي الوجه ...
أم لم يكن هناك وجه .....؟!
لكي أبدأ من البداية يجب أن أحكي أشياء لا حصر لها .. يجب أن أصنع (أرضية) .. الكثير منها .. لكن المجال لا يتسع، وصبر القراء ينفد..
لهذا كله أقول إن القصة حدثت لي في جنوب فرنسا .. هل هذا كاف ؟.. حدثت في (نورماندي) بفلاحيها الذين يتمتعون بقدر لا بأس به من البلاهة، والذين خلد (موباسان) بخلهم وجهلهم في عديد من قصصه، وهو شرف عظيم !
هل هذا كاف ؟ .. لا ؟.. حسن .. كنت أزور صديقاً لي، وهو من أسرة عريقة ثرية يبدو أنها تنتمي إلى نبلاء (البوربون) لصوص الشعب، وهذا ـ أيضاً ـ أمر مشرف ..
كانت زوجتي معي، وكانت زوجته معه .. وأعتقد أنها كانت حية آنذاك في هذا الوقت من عام 1972 .. لابد أنها كانت حية ..
هل هذا كاف ؟.. لا ؟.. ماذا تريدون إذن ؟.. رقم بطاقتي هو 53253 عائلية وفي جيبي في هذه اللحظة خمسة جنيهات ونصف وقطعة حلوى .. هذه هي مشكلة القراء: تختصر فيطالبونك بالإسهاب .. تسهب فيقولون إنك ممل ميال للاستطراد إلى درجة المرض ..
كنت أقول إن (جان ماري جوتييه) صديقي الفرنسي الثري دعاني وزوجتي إلى بيته الريفي الفاخر لنشعر بالحقد قليلاً، ونتحسر على شقتنا الضيقة في (قليوب).. أنتم تعرفون أنني كنت هناك من أجل البعثة العلمية التي أوشكت على الانتهاء، وكان من المفيد أن تتعرف أحد أساتذة الأدب الفرنسي في (السوربون) .. ومن الأجمل أن يدعوك إلى العشاء في بيته الريفي الجميل ..
كان العشاء ناجحاً، ولم أرتكب أغلاطاً كثيرة، ونجحت في هرس قدم زوجتي من تحت المائدة حين كادت تعلق على مدى بذخ الأطباق والملاعق .. كانت هناك ضفادع، وهذا يجعل الحياة أجمل، لكنا تجاهلنا وجودها كي نتمكن من الأكل ..
قال لي (جان ماري) وهو يمضغ الطعام بطريقته الأرستقراطية:
ـ" هل تجدون هذا القصر مخيفاً ؟"
قلت له وأنا أفكر في كنه هذا الشيء الحي الذي يتحرك في طبقي:
ـ" بالطبع لا .. لسنا في (ترانسلفانيا) على ما أظن .."
ـ" لا يجب أن تكون في (ترانسلفانيا) كي تجد الرعب .. إنه موجود في كل مكان .."
وتبادل ابتسامة مع زوجته وقال:
ـ" مثلاً لا يمكنك أن تتصور أن يكون هناك ساحر مسجون تحت هذا القصر !"
تبادلت وزوجتي نظرة مماثلة من طراز (بدأ الخبال إذن)، وقلت في أدب:
ـ" ساحر حقيقي ؟"
ـ" نعم .."
حين رأى الدهشة المستفزة في عيني، قال سريعاً وهو يضحك:
ـ" ليس تحت هذا القصر بالضبط.. لكن بالتأكيد في هذه القرية، وأسرتي ضمن أسر قليلة تعرف هذا السر .."
سألته في غيظ:
ـ" هل تعني أن هذا من زمن ؟"
ـ"خمسمائة عام تقريباً..!"
أنتم تعرفون هذا الطراز من القصص عن السحرة المسجونين من خمسمائة عام، لهذا تجاهلت الأمر .. لكنه كان ملحاً.. قال لي في خبث:
ـ" ألا تريد أن تراه ؟"
ـ" بلى .. لكن لا أريد أن أتحول إلى وسيلة للتسلية .."
قال في كبرياء وقد بدا متضايقاً بحق:
ـ" لو كنت قد فكرت في هذا أرجو أن تنسى الأمر تماماً.."
ثم نظر لي وزوجتي وقال:
ـ" لكما حرية القبول أو الرفض .. إن التجارب الغريبة هي ملح الحياة .. ولولاها ماذا يبقى لنا يوم نجلس أمام المدفأة يوماً، وكل نيرانها غير قادرة على إذابة الثلج المحيط برءوسنا ؟"
تبادلت وزوجتي نظرة .. ماذا عسانا نخسر على كل حال ؟
ترى هل كان علينا أن نرفض ؟
أنت تعرف كما أعرف أنا أننا سنستمر .. هذه الأمور أقوى من قدرة البشر الفانين على التحمل .. لا أدري .. ربما كنت أنت أقوى مني وأكثر زهداً في رؤية هذه الأمور .. لذا أسالك بصراحة: هل هذه البداية مملة إلى حد يغريك بالرحيل ؟
16/01/02